جمانة حداد: كل إنسان ممكن يضحّي وليس فقط المرأة © Joumana Haddad
أسئلة كثيرة تطاردني وتقضّ مضجعي بلا هوادة، ولا أجد لها أجوبة. مثلاً، لماذا تحكم العالم عصاباتٌ ومافيات من الطغاة واللصوص والقتلة والزعران، ولا يحكمه أهل القيم والمعايير والعدل والمساواة والانسنة؟
لماذا يُعتبر حارس القانون والدستور ساذجاً، ومنتهكهما شاطراً وقبضاياً وذكياً؟
لماذا تعتبر الدماثة ضعفاً، واللطف وهناً، وطيبة القلب بلاهةً؟
لماذا على المرء أن ينتهك ويسرق ويتشاطر لكي ينجح، وأن يطعن في الظهر لكي يتقدّم، وأن يحابي لكي يحفظ حقّه، وأن يكذب لكي يترقّى، وأن يَظْلم لكي ينتصر؟
لا أعمّم. لا أقول إن كل المفلحين متسلّقون، وإن كل أصحاب النفوذ والمراكز فاسدون، وإن كل المهيمنين منحرفون غادرون. ولكن علينا أن نقرّ بأن الواقع يشهد أن الغالبية هم هكذا.
ثمة من يصف الوضع البشريّ بـ”شريعة الغاب”، لكنه وصف غير دقيق، لا بل جائر في حق الحيوانات. إذ ليس لدى هذه الكائنات ذرّة من الخبث والشرّ والقدرة الواعية على الإساءة الموجودة لدى البشر. البهائم لا تخون، لا تفتري، لا تستبدّ. هي أنانية بفطرتها، لا بعقلها ووعيها. تقتل عن حاجة، لا عن تصميم وتخطيط وجشع. تصطاد لتأكل، لا لتتباهى. تؤذي لتشبع، لا لتسيطر. لا تفترس لأجل متعة الافتراس. لا تقترف الجرائم، لا ترتكب المجازر، لا تشنّ الحروب، لا تعنيها الغزوات. يا ما أحلى شريعة الغاب أمام شريعة الإنسان.
تاريخنا معيب وشائن، ليس في حق بعضنا بعضاً فحسب، بل أيضاً وخصوصاً في حقّ الطبيعة وحيواناتها ونباتاتها وطيورها وجبالها ووديانها. تاريخٌ من التنكيل والنهب والانتهاك والتلويث وقطع الأشجار ورمي النفايات وزرع الألغام والاتجار بالعاج وإتلاف الاوكار وتدمير الموائل التي تحتمي بها الكائنات البحرية والبرية ووو. في اختصار، ومجدداً بلا تعميم: يا عيب الشوم علينا.
صدقاً، لا أعرف كيف يحتملنا هذا الكوكب. لا رحمة، لا أمانة، لا مروءة، لا تعاطف. النزاهة والحق والاحترام عملات نادرة في جنسنا. فوق ذلك نتعالى، ونتكبّر، ونتعنفص، ونعتبر أنفسنا الأسمى، وفي رأس الهرم. تباً لهذا الهرم الذي يعتلي قمّته كائن كهذا. أشرف لي أن أكون طحلباً من أن أكون إنساناً على هذا الشاكلة.
أعود لأسأل: لماذا؟
جمانة حداد
مونت كارلو الدولية