|| ||

جمانة حداد: “ماذنب هؤلاء؟”

لبنان، جمانة حداد، مونت كارلو الدولية، Joumana Haddad

جمانة حداد: كل إنسان ممكن يضحّي وليس فقط المرأة © Joumana Haddad

اسمها أميرة، عمرها سبع سنوات. كانت نائمة في سريرها الصغير، تحتضن دميتها الصغيرة، عندما قصف المبنى الذي تقيم فيه عائلتها، فتهالكت جدرانه وأعمدته الاسمنتية فوق رؤوس سكّانه. لم ينج أحد. بلى. نجت دمية أميرة الصوفية، أما أميرة فلا. للأسف، أميرة لم تكن محشوة بالصوف مثل دميتها. جسد أميرة تناثر أشلاء تحت الأنقاض. عندما حاول المسعفون البحث عن ناجين بين الركام، عثروا، فقط، على دمية تبكي بينما تحتضن بقايا طفلة كان اسمها أميرة.

اسمه محمد، عمره خمس سنوات. كان متكوّراً بين والده ووالدته وأشقائه وشقيقاته في أحد الملاجئ، يحتمي بهم من هدير القذائف المنهمرة فوقهم من كل حدب وصوب. الانفجارات تتوالى، أصواتها تتعالى، والناس من حول محمد خائفون. محمد خائف أيضاً. أمّه تهمس له: “لا بأس يا حبيبي. سينتهي كل هذا بعد قليل”. يضغط محمد على أذنيه بيديه المرتعشتين كي لا يسمع. يغمض عينيه بقوّة كي لا يرى. عندما يفتحهما بعد برهة، سيكون كل شيء قد اختفى: الانفجارات، الملجأ، الناس، والداه وأشقاؤه وشقيقاته. اختفى خوفه أيضاً. لم يبق إلا صوت أمّه يردّد: “سينتهي كل هذا بعد قليل يا حبيبي. سينتهي كل هذا بعد قليل”.

اسمه يوسف. “شعرو كيرلي وأبيضاني وحلو”. هكذا وصفته والدته بينما كانت تبحث عنه في أحد المستشفيات. أمّ يوسف تصرخ وتصلّي وتتمتم. أمّ يوسف ترتجف، تدخل من غرفة الى غرفة كالمحمومة. “شعرو كيرلي وأبيضاني وحلو”، تكرّر كتميمة. “لا تأخذوه منّي”، تتوسّل. لكنّ أمّ يوسف لن تجد يوسف. وجده الموت قبلها، وأجلسه قربه. “أنظروا”، قال الموت، “أنظروا ما أجمله، غنيمتي. شعره كيرلي، وأبيضاني، وحلو”.

ليسوا مئة. ليسوا خمسمئة. ليسوا ألفاً ولا ألفين. ألوف هم الأطفال الذين قتلوا حتى هذه اللحظة في غزة، وألوف أولئك الذين تيتّموا وجُرحوا وتشرّدوا وانشلّوا.

عندي سؤال واحد لا غير: ما ذنب هؤلاء؟

جمانة حداد
مونت كارلو الدولية

 

شاهد أيضاً

michael-porters-value-chain-6

لنفهم كيف تحقق الشركات الأرباح 2: تحليل سلسلة القيمة

مخطط نموذج العمل Business Model Canvas

لنفهم كيف تحقق الشركات الأرباح 1: تحليل نموذج العمل

سمير العيطة samir_al_aita

«طوفان» يبحث عن إجابات