خمسة وعشرون عامًا مرت على انطلاق إحدى أكثر المشاريع نجاحا في السيليكون فالي. قصة نجاح أصبحت اسطورة من أساطير رواد أعمال السليكون فالي.
بدأت قصة ولادة غوغل في عام 1995، حين انتقل لاري بايج وسيرجي برين، وهما طالبان في علوم الكمبيوتر في جامعة ستانفورد في مدينة بالو ألتو في ولاية كاليفورنيا إلى مرآب في مينلو بارك في منزل صديقتهما سوزان وجسيكي. التي أصبحت فيما بعد المديرة التنفيذية ليوتيوب. هناك طورا خوارزمية البنية التحتية لمحرك بحث غوغل (اسم غوغل مستوحى من “Googol”، وهو مصطلح رياضي يشير إلى الرقم 1 متبوعًا بـ 100 صفر).
بعد أن تمكن هذان الطالبان الطموحان من الحصول على100.000دولار أمريكي من المستثمر آندي بيكتولشيم، أحد مؤسسي شركة صن مايكروسيستمز. أنشأوا غوغل رسميًا في 4 سبتمبر .1998 وبفضل محرك البحث الأكثر كفاءة من المحركات التي كانت متوفرة في ذلك الحين، الذي يأخذ في الاعتبار عدد الروابط التي تشير إلى الصفحة، لتحديد المواقع الأكثر شهرة والأكثر موثوقية. تمكنت شركة غوغل بعد عام من إطلاقها، من جمع 25 مليون دولار. وتحولت فكرة محرك بحث بسيط يعتمد على عدد قليل من المكونات الرئيسية، إلى إمبراطورية معقدة تعتمد بشكل كامل تقريبًا على الإعلانات. قصة نجاح لا مثيل لها لعملاق تكنولوجيا عرف نجاحا لا مثيل له من خلال إجادة فن تحقيق الدخل من الكلمات الرئيسية.
غوغل ابن الكلمات المفتاحية المدلل
عام 2000 انفجار فقاعة الإنترنت أدى إلى اختفاء العديد من شركات تكنولوجيا الإنترنت. كانت حينها غوغل شركة ناشئة تحاول الابتكار لتنجو من مخالب الانهيار، وبفضل الشراكة مع ياهو، بدأ محرك البحث صعوده. وعلى المستوى التكنولوجي، فإن تطوره لا يقل سرعة عن نموه الاقتصادي ففي يونيو 2000، تمكن محرك بحث غوغل من فهرسة أكثر من مليار صفحة ويب.
كذلك أطلقت شركة غوغل، في خضم انفجار فقاعة الإنترنت، برنامج AdWords. المنتج الإعلاني الأول لغوغل، الذي أعيد تسمينه لاحقا ببرنامج إعلانات غوغل.
يتيح برنامج AdWords للمعلنين الترويج لمنتجاتهم أو خدماتهم بفضل الروابط التجارية المعروضة في أعلى النتائج في محرك البحث غوغل، في تلك الفترة كانت شركة ياهو تقترح خدمة مشابهة.
في 19 من أغسطس 2004 دخلت غوغل إلى بورصة ناسداك وفي نهاية اليوم الأول من التداول، تجاوز سعر السهم 100 دولار. وبعد ثلاث سنوات، تجاوزت قيمة السهم ثلاث مرات قيمته الأولية، برأسمال يقارب 80 مليار دولار.
وفي غضون ذلك، واصلت غوغل توسيع نشاطها وجذب المستخدمين مع تكثيف عروضها الإعلانية من خلال العروض الداخلية AdSense أو من خلال عمليات الاستحواذ، كعملية الاستحواذ على وكالة الإعلانات على الويب DoubleClick في عام 2007 مقابل 3.1 مليار دولار التي دمجت حينها مع Google Analytics لإنشاء منصة غوغل للتسويق.
أنشأت غوغل، على مر السنين، نظاما بيئيا شاملا يتيح لها التواجد على جميع مستويات الإعلان على الويب بواسطة مجموعة شاملة من أدوات تكنولوجيا. وتجاوزت في ربيع عام 2018 الخط الرمزي للأرباح بمبلغ 100 مليار دولار أمريكي من عائدات الإعلانات، قبل أن تتجاوز غوغل الـ 200 مليار دولار أمريكي بعد ثلاث سنوات فقط.
نجحت شركة غوغل في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بترسيخ نفسها كالقناة الأساسية لتنظيم البيانات الرقمية للبشري المتصل ويصبح اسم غوغل مرادفًا لـ “البحث عبر الإنترنت”.
وعلى الرغم من أن الغالبية العظمى من إيراداتها تأتي من الإعلانات عبر الإنترنت، فقد استثمرت شركة غوغل في جميع الاتجاهات وأطلقت منتجات جديدة بانتظام.
يوتيوب، استهلاك منتجات الإنترنت والمنصات الاجتماعية
بعد الاكتتاب العام الأولي، أطلقت غوغل العديد من الخدمات جيميل، وأخبار غوغل، وFroogle التي أصبحت في عام 2007 Google Shopping وأيضا أطلقت وخرائط غوغل الشهيرة، مواصلة بذلك تطويرها بتنويع أنشطتها.
في 9 أكتوبر 2006 استحوذ محرك البحث غوغل في منصة الفيديو الناشئة لمشاركة الفيديوهات يوتيوب مقابل 1.65 مليار دولار أمريكي والتي كان قد أنشأها في فبراير 2005 3 موظفين سابقين في باي بال – تشاد هيرلي وستيف تشين وجواد كريم؛ وكانت تضم حينها67 موظفًا فقط.
ففي مواجهة المنافسة من خدمات بث الموسيقى الستريمينغ، أطلقت يوتيوب في عام 2018 خدمة YouTube Premium الخالية من الإعلانات، بالإضافة إلى خدمة YouTube Music. ووصل عدد مشتركيها إلى 80 مليونًا في سبتمبر 2022.
في عام 2022، حققت الإعلانات على منصة يوتيوب أكثر من 10% من إجمالي إيرادات شركة Alphabet، الشركة الأم لشركة غوغل أي أكثر من 29 مليار دولار بزيادة 400 مليون دولار عن عام 2021.
وقال الرئيس التنفيذي ساندر بيتشاي، خلال الكشف عن النتائج ربع السنوية في نهاية يوليو2023، إن “إيرادات منتجات يوتيوب بلغت حوالي 40 مليار دولار في الاثني عشر شهرًا المنتهية في مارس2023”. بما في ذلك الإيرادات من الاشتراكات المدفوعة في YouTube Premium أو YouTube TV.
تعد منصة يوتيوب اليوم ثاني أكثر مواقع الويب زيارةً في العالم بعد محرك البحث غوغل.
من محرك البحث والإعلانات إلى الهواتف الذكية
أطلقت غوغل في 23 سبتمبر 2007 نظام تشغيل الهاتف المحمول Android (OS). لمنافسة أبل التي بدأت عام 2007 بتسويق أول جهاز أيفون مزود بنظام التشغيل iOS الخاص بها. والنموذج الاقتصاد الذي اقترحته غوغل حينها عرض إمكانية تجهيز أجهزة مصنعي الهواتق الذكية بنظام التشغيل أندرويد مجانًا. وفي المقابل، تقوم شركة غوغل بتثبيت مسبقًا خدماتها في هذه الهواتف الذكية، -محرك البحث، المتصفح، خدمة جيميل – وتحقيق الدخل منها عبر الإعلانات. نموذج سيسمح لشركة غوغل بالسيطرة على حصة كبيرة من سوق أنظمة التشغيل في العالم واليوم، هناك أكثر من 3 مليار جهاز نشط بنظام التشغيل أندرويد، مقارنة بـ 2 مليار جهاز يستخدمون نظام التشغيل iOS من شركة أبل.
ماتت غوغل … عاشت الفابيت
اختارت شركة غوغل يوم 10 من أغسطس 2015 تغيير اسمها: إلى Alphabet – ألفابيت ، مع إعادة تنظيم واسعة النطاق لأنشطتها. ومحرك البحث غوغل أصبح واحدا من ثماني شركات تابعة لهذه المجموعة المترامية الأطراف. التي يجمع جميع المهن المرتبطة بالإنترنت.
الذكاء الاصطناعي التوليدي وتحديات غوغل المستقبلية
الشركة العملاقة التي يقودها ساندر بيتشاي وبالرغم من ماضيها المجيد وحاضر ها المربح للغاية، تواجه العديد من التحديات. ومن بينها، الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي يمكن أن يعيد خلط أوراق التكنولوجيا العالمية.
كثيرون يعتبرون أن غوغل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي ستواجه تهديدًا وجوديًا قد يغير نشاطها الرئيسي، أي الإعلانات المرتبطة بنتائج البحث”. لكنها أيضًا فرصة لها، لأن مختبرات بحوث غوغل للذكاء الاصطناعي هي الأفضل في العالم.
كل ما على غوغل القيام به اليوم هو إطلاق منتجات ترقى إلى مستوى التوقعات.
منذ أن أنشغل العالم بإعصار ChatGPT. غفل الكثيرون عن أن شركة غوغل هي شركة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي،
كانت غوغل السباقة في استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي في محرك بحثها في تسعينيات القرن الماضي. وبعد أدخلت الذكاء الاصطناعي في بنية معظم وظائف أدواتها.
اليوم تسعى غوغل، على مثال مايكروسوفت، إلى دمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في منتجاتها وخدماتها. يبقى محرك البحث في قلب اهتمام شركة غوغل، وهو أساس نموذجها الاقتصادي الرابح. ونجد اليوم Bard نموذج الذكاء الاصطناعي للمحادثة باللغة الطبيعية في معظم خدمات غوغل.
كما أعلنت غوغل في مؤتمر المطورين السنوي Google I/O في شهر مايو 2023، عن خدمة Search Generative Experience أو تجربة البحث التوليدية، خدمة تعتمد تقنية الذكاء الاصطناعي لتلخيص نتائج البحث نيابةً عن المستخدمين، لكي لا يبددون الوقت للعثور على ما يبحثون عنه.
تسعى غوغل للعودة للريادة في تقنيات الذكاء الاصطناعي في مواجهة مايكروسوفت و OpenAi، فقد دمجت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في العديد من منتجاتها عبر تطبيقات Workspace الأساسية و أيضا في تطبيقاتها للصور و مكتبة الصور و غيرها من الأدوات التي بتنا نستخدمها يوميًا دون أن ندرك أنها تقنيات الذكاء الاصطناعي.
نجاحات وإخفاقات
من البريد الإلكتروني إلى الهواتف الذكية، من البرمجيات إلى مكونات أجهزة الكمبيوتر، من السيارات الذاتية القيادة إلى مساعِدات غوغل الرقمية للمنازل وصولا إلى يوتيوب، طورت غوغل وأيضا استحوذت على مئات المنتجات والخدمات. بيد أنها لم تكن جميعا ناجحة.
فهناك 288 مشروعا من خدمات و برامج و تطبيقات ، حذفتهم غوغل ، وفق موقع Killed by Google.
هنالك تحديات كبيرة تواجه عملاق التكنولوجيا تبقى أبرزها قوانين التنظيم الأوروبية، التي أصبحت مثالا للعديد من الدول، لتأطير عمل شركات التكنولوجيا العملاقة وكسر احتكارها واستغلالها بيانات المستخدمين وخصوصيتهم. حيث أصبح صعبا ومعقدا قبول المشرعين الهيمنة المطلقة لعمالقة التكنولوجيا.
إعداد:
نايلة الصليبي
مونت كارلو الدولية