غادة عبد العال
أظن أن مارك زوكربيرج حين أتت له فكرة موقع بعنوان فيسبوك (أو حين سرق الفكرة كما يؤكد البعض) ماجاش في دماغه أن يتوسع هذا الموقع ذو الواجهة البسيطة ثنائية اللون ليلتهم المجال العام في بعض البلدان. كذلك لا أظن أن هذا الواقع جه في دماغ أي زملائه من مبتكري بقية مواقع التواصل الاجتماعي.
أصبحنا مش بس بننام ونصحى ونتولد ونموت على المواقع دي. بل إن السلطات القانونية والقضائية أصبحت هي كمان بتتأثر بانتشار قضية ما على صفحاتها. ومافيش داعي أفكركم طبعا إننا من أكتر من ١٠ سنين شوفنا نظام حكم كامل بيسقط بسبب إيفينت على الفيسبوك.
هل كان زوكربيرج وهو قاعد في سكنه الجامعي بيتساءل إمتى هيختفي حب الشباب من وشه لعل نصيبه يكون أفضل مع البنات، هل ممكن يكون تخيل الواقع اللي احنا عايشينه ده؟ هل تخيل إنه ممكن يأثر في حيوات ومصائر ونفسيات ملايين البشر؟
في أول الأمر كانوا المراقبين قلقانين من إن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على المشتركين فيها هو في أغلب الوقت تأثير سلبي، لأن كل مشترك بيوري الآخرين الجزء الأفضل من حياته. فيحس الباقيين إنهم أقل منه. مش سعداء، ما بيمتلكوش أشياء جميلة وما بيسافروش في كل مكان. لكن مع الوقت انتقل التأثير السلبي من متابعة الحلو في حياة الناس لمتابعة كل ذرة سوء في العالم.
أنا على سبيل المثال أصبح عندي نوع من التحفز وقت تصفحي لصفحة الفيسبوك العامة. مع كل صورة لبنت مخي على طول بيدي إشارة تحذير ويسأل (يا ترى اندبحت؟ يا ترى اتخطفت؟ يا ترى ضحية عنف أسري؟).
مع كل صورة طفل مخي بياخد خطوة لورا مترقبا: (يا ترى اتخطف؟ يا ترى مات؟ يا ترى تم التنمر عليه في المدرسة لحد ما انتحر؟).
مع كل صورة لرجل: (هل عمل حادثة مميتة بالعربية ؟هل محبوس وحد بيحاول يخرجه؟ هل متحرش وواحدة صورته؟ أو نصاب أخد فلوس الناس يستثمرها وقال يا فكيك؟).
تيارات وأمواج تصل لدرجة التسونامي من الأخبار السيئة والقصص الكئيبة ما اعتقدش إن كان حد من مبتكري وسائل التواصل الاجتماعي يتخيل إن موقعه اللي كان عامله عشان الناس تتشارك عليه كلمة ملهمة أو صورة لطيفة يتقلب ويبقى مصدر من مصادر النكد ومسبب أساسي من مسببات نوبات الهلع والاكتئاب.
إذا ما هو العمل في عالم ابتكر أكثر من وسيلة تجمع لك الحزن والعنف واللوعة والألم من جميع أنحاء العالم وتضعها بين يديك؟
أظن إن الإجابة هي: الفقاعة. إن الواحد يتمحور حول حاله نسبة مش قليلة من اليوم. يتمترس خلف أفلامه المفضلة وموسيقاه المحبوبة وكتبه اللي مركونة في المكتبة مهدا للأتربة على الأقل نص أيام الأسبوع، أو ربما الخروج للطبيعة (ما تبقى منها يعني) والانفصال التام عن هذا العالم المتشابك اللي كنا في وقت مبسوطين جدا بتطوره وبكوننا كلنا بقينا “كونيكتيد” أو متصلين ببعض طول الوقت. لكن الخبرة والتجارب أثبتت لنا إن ده في الحقيقة مش في مصلحتنا على المدى الطويل ولا في مصلحة نفسياتنا اللي مش ناقصة كآبة على الإطلاق.
غادة عبد العال
مونت كارلو الدولية